كرة القدم اللعبة الشعبية الاولى في العالم .. ورغم توسع تفاصيلها وخططها وتدريباتها ، فإنه يمكن تحليل حركاتها بأنها تتضمن أربعة أنواع من الحركات : الدفاع واستعادة التوازن، والبناء والتحضير للهجمة ، ثم تنفيذ الهجمة وتفعيلها. ويتم تطبيق اثنين من هذه الأنواع الأربعة بدون الكرة بينما تطبق الحركتين المتبقيتين بالكرة. ويعتبر إدارة الوقت والمساحة وخداع الخصم رد فعل استراتيجي ينبع من فكرة تشغيل الفريق والإيمان بها.
لقد ودع اثنان من المنتخبات المرشحة لإحراز لقب يورو 2012 منافسات البطولة بالفعل. فقد بدأت روسيا مشوارها في البطولة بشكل جيد وقدمت تحركات رائعة في الملعب وكانت لديها الأفكار اللازمة ولكنها لسوء الحظ افتقدت الالتزام تجاه هذه الأفكار. كان الفريق يمزج أداؤه جيدا كلما كانت الكرة بحوذته وقدم أداء فنيا رائعا ولكن اللاعبين بدوا وقد أصابهم الملل والسأم.
لم يكن هذا الفريق يشعر بأي استنفار للعب ، بل بدا اللاعبون وكأنهم ذهبوا في سبات عميق وفقدوا قدرتهم التنافسية تدريجيا. لقد بدا الروس وكأنهم أكثر اهتماما بعطلاتهم الصيفية المقبلة عن التأهل لدور الثمانية ببطولة الأمم الأوروبية.
ولكن هولندا كانت أكبر خيبة أمل بالدور الأول من البطولة. فمن الصعب تخيل كيف يمكن لفريق ، يضم كل هؤلاء اللاعبين الجيدين ، أن يلعب بهذا المستوى السيء. لم يكن لاعبو هولندا قادرين على أن ينسقوا بكفاءة لا المساحة أو الوقت. لعبوا متباعدين تماما عن أحدهم الآخر لدرجة أنهم قدموا مساحات عديدة لخصومهم على طبق من فضة كما أنهم منحوهم الوقت الكافي للارتداد والدفاع.
كان الهولنديون بعيدين دائما عن الكرة عاجزين عن الوصول إليها بالسرعة الكافية لتطبيق لمستهم وتحقيق فاعليتهم. إنها المرة الأولى التي أرى فيها هولندا تخرج من بطولة ما بعد تقديم أداء سيء كهذا. فقد كنت أرشحهم للعب دور البطل في يورو 2012 .
بينما تتمتع البرتغال من جانبها بالكفاءات اللازمة للتأهل. ولكن مشكلتها الحقيقية لطالما كانت افتقاد فريقها للقدرة التنافسية على المستوى الجماعي. فالمنتخب البرتغالي يضم لاعبين يتمتعون بقدرات فنية ممتازة ولكنهم يعتمدون بشدة على الأداء الفردي. ويوجد لديهم نقطة ضعف واضحة في مسألة التزامهم تجاه اللعبة بينما يكتفي الفريق بان يبدو كوحدة واحدة.
ولكن الفريق يتكبد عناء كبيرا ليتجاوز محنته. وإن كانت البرتغال ظهرت بمستوى جيد في مباراتها الأخيرة أمام فريق أهداه الكثير من عنصري المساحة والوقت وهو منتخب هولندا الذي سمح للبرتغال بالتغلب عليه بكل سهولة وترك نفسه لخيبة الأمل بشكل مؤسف.
وبذلك يصبح المرشحون الأبرز لإحراز لقب يورو 2012 هم الفرق الذين قدموا أفضل العروض. الأفكار القوية الواضحة التي يدعمها الأداء الراقي والاستمتاع باللعبة ولحظات الجمال مع القدرة على تحريك الجماهير.
تدافع أسبانيا جيدا مستخدمة قدرتها الاستراتيجية في غلق المساحات أمام الفريق المنافس. إنهم يستعيدون الكرة بسرعة ويبقونها بعيدة عن حلق مرماهم. يدافع الأسبان كوحدة متماسكة ، فهم يستطيعون إعادة تنظيم صفوفهم بسرعة كبيرة ويستغلون مهاراتهم الفنية الكبيرة في تحقيق استحواذ واسع النطاق للكرة. ولكنهم في الوقت نفسه يتميزون بالصبر الشديد ، حيث ينتظرون اللحظة المناسبة لبدء حركة جديدة.
كما يسعد الأسبان بتحقيق الفوز عن طريق الاداء الجيد ، وهو الضمان لتقديم مباراة جيدة ولكنه ليس ضمانا لتحقيق النجاح بالضرورة. أما وصفتهم للنجاح فهي ببساطة التفوق على المنافس في الأداء وإيجاد الفوز.
كانت مباراة أسبانيا أمام أيرلندا سيمفونية حقيقية. ولكن لكي يمكن الاستمتاع بها ، فعلى المرء أن يفهمها أولا. أما الفوز أمام كرواتيا فقد جاء بهدف يحمل الطابع الأسباني الشهير كما أنه كان تظاهرة رائعة للعب الجماعي ، فتمريرة إنييستا إلى نافاس تحكي كل شيء.
أما ألمانيا وثورة الأداء التي تشهدها منذ بطولة كأس العالم 2006 ، والتي تواصل تقدمها ، فهي الأخرى تحرك مشاعر الجماهير وتثبت أنها مثل أسبانيا ملتزمة بفكرة الأداء الجميل. تشبه ألمانيا أسبانيا تماما في الإقناع والافكار والانفعالات ولكنهما تختلفان في أسلوب الأداء. فألمانيا تسعى لإمداد الجماهير بالانفعالات المستمدة من تضامنهم المعهود والتي تقترب بشدة من الأداء الجمالي الذي يميز المباراة الجيدة.
إننا نؤكد أن تأهل هذين الفريقين لدور الثمانية هو دليل على قيامهم بالدفاع عن اللعبة باعتبارها حدث عظيم ، ويبشر باحتفالية كروية رائعة. لا يوجد ضمان بذهاب لقب البطولة إلى أي من هذين الفريقين ولكن هكذا هي كرة القدم. وفي النهاية ، تظل احتمالية خسارة أي منهما لمباراة ما أقوى من احتمالية ظهور أي منهما بمستوى أقل فنيا من خصمه في الملعب.