تعددت الأوصاف التي أطلقت على محاكمة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك وظهوره في قفص الاتهام ممددا على سرير طبي، فمن تاريخية، ومحاكمة العصر، إلى الحلم الذي تحقق، ولكن الأكيد أنها ستفتح الباب في مصر والعالم العربي على تشريع وتنفيذ مبدأ الثواب والعقاب، ومحاسبة حتى رأس النظام على أفعاله.
فردود الأفعال المحلية والدولية توالت على المحاكمة التي قررت محكمة جنايات القاهرة تأجيل نظر القضية إلى الخامس عشر من الشهر الجاري، وإيداع مبارك مستشفى بالقاهرة واستمرار حبسه مع نجليه.
وشاءت الأقدار أن تجري المحاكمة في أكاديمية الشرطة (شرق القاهرة) التي كان اسمها قبل أقل من ستة أشهر "أكاديمية مبارك للأمن".
فجماعة الإخوان المسلمين التي كانت محظورة في عهد مبارك، اعتبرت محاكمته "انتصارا" للشعب وأنها ينبغي أن تسهم في تعزيز الثقة بالجيش الذي يتولى شؤون البلاد منذ 11 فبراير/شباط الماضي.
وأضافت في بيان أصدرته الأربعاء أن المحاكمة تعد حدثاً تاريخياً بكل المقاييس، مشيرة إلى أنها المرة الأولى في العالم العربي التي يحاكم شعب رئيسه بعد خلعه.
وقالت الجماعة إن المحاكمة بالطريقة التي تمت بها تعد دليلاً على سيادة القانون، مضيفة أنها أثبتت كذلك أن مصر أصبحت ترفض الضغوط الخارجية العربية والدولية التي مورست لمنع إتمام هذه المحاكمة بعدما كانت تأتمر بأمر كثير من الدول في العهد البائد.
بن إليعازر (يسار) عرض على مبارك اللجوء والعلاج في منتجع إيلات لكنه رفض (الفرنسية)
أميركا وإسرائيل
وفي أول رد فعل أميركي، أعربت واشنطن الأربعاء عن "ثقتها" بأن المحاكمة ستكون "عادلة وشفافة".
وصرح مارك تونر نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية "سنتابع المحاكمة عن كثب"، مضيفا أنه من المهم جدا أن تكون المحاكمة "حرة وشفافة ونزيهة".
وتابع "لدينا ثقة بأن السلطات المصرية قادرة على إجراء محاكمة نزيهة في هذه القضية، وأن القيام بذلك منوط بهم".
أما إسرائيليًا فأبدى وزير الدفاع والبنى التحتية الإسرائيلي السابق بنيامين بن إليعازر حزنه لمحاكمة مبارك, مشيرا إلى أنه عرض عليه اللجوء والعلاج في منتجع إيلات على البحر الأحمر لكنه رفض, واصفا إياه بالوطني.
وذكّر بن إليعازر -وهو عضو بحزب العمل وصديق لمبارك- بأن الرئيس المخلوع أظهر التزاما قويا تجاه السلام في المنطقة خلال سنوات حكمه الثلاثين، مشيرا إلى أنه حارب إسرائيل ثم كان بعد ذلك حريصا على إقامة سلام معها.
معايير دولية
في هذه الأثناء, طالبت منظمتان دوليتان أمس الأربعاء بضمان محاكمة عادلة لمبارك تؤسس للمرحلة المقبلة.
وقالت المسؤولة عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش سارة لي ويتسون إنه إذا حوكم مبارك ومساعداه وفقا لمعايير العدالة الدولية, فإن ذلك سيمثل قطيعة مع الإفلات من المحاسبة الذي كان سائدا في العهد السابق.
وأضافت أن المحاكمة العادلة ستساعد على فتح صفحة جديدة في تاريخ مصر, وترسي سابقة مهمة في المنطقة.
في السياق ذاته, قال مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية مالكولم سمارت إن محاكمة مبارك تمثل فرصة تاريخية لمصر لمحاسبة الرئيس المخلوع وحاشيته عن الجرائم التي اقترفوها خلال فترة حكمهم.
المصريون بدوا غير مصدقين رؤية مبارك داخل قفص الاتهام (رويترز)
حضور جماهيري
شعبيا، بدا أن المصريين وخصوصا الشباب الذين شاركوا في ثورة 25 يناير ورأوا أصدقاءهم يقتلون إلى جوارهم، غير مصدقين ما يرونه بأعينهم.
وقال أحمد -وهو عامل بورشة لإصلاح السيارات- "أصحابي قتلوا بجواري في التحرير، لكن الله كتب لي العمر لكي أرى اليوم الذي يجلس فيه مبارك داخل القفص".
وكان أحمد يقف أمام البوابة الرئيسية لأكاديمية الشرطة حيث تجمع قرابة 1500 شخص معظمهم من أسر الضحايا لمتابعة المحاكمة على شاشة كبيرة وضعوا أسفلها لافتة مرسوم عليها مبارك موضوعا في مشنقة ومكتوب عليها "الإعدام للسفاح".
بدوره ذكر والد ضحية قتل خلال الاحتجاجات إن ظهور هؤلاء "الحثالة والمجرمين" في القفص يعد أكبر إنجاز للثورة المصرية، وأضاف "نحن هنا لنقول لمبارك: رمضان كريم في قفصك الجديد".
بدورها وصفت والدة ضحية قتلها الأمن المصري خلال الاحتجاجات، المحاكمة بأنها "حلم المصريين أن يروا مبارك ذليلا كما أذل الشعب 30 عاما". وقالت "أريد أن أرى قلوبهم تتفجر كما انفجر قلب ابنتي بعد إصابتها بالرصاص".
الفرحة أفسدت
وأظهرت لقطات تلفزيونية وزير الداخلية السابق حبيب العادلي وهو يغادر قاعة المحكمة مبتسما ومحييا حراسه قبل أن يستقل سيارة شرطة مصفحة لإعادته إلى السجن.
كما أظهرت اللقطات علاء وجمال مبارك يسيران في حرية وثقة إلى السيارات التي كانت تنتظر المتهمين لإعادتهم إلى سجنهم.
وقال نشطاء في موقع فيسبوك على الإنترنت إن اللقطات أفسدت فرحتهم برؤية مبارك في قفص الاتهام.